08 Feb 2024

سِرْ بِالسِّرِّ إلَى اللهِ

سِرْ بِالسِّرِّ إلَى اللهِ

ثُمَّ يُبْدِعُ الْقَدَرُ فَيَضَعُكَ علَى مَفْرَقِ الطَّرِيقِ فَيأْخُذُك مِنْ دُنْياكَ إلَى دُنْيَا أُخْرَى، دُنْيَا لَا تَرَى فِيهَا بِعَيْنِكَ ولَا تَسْمَعُ فِيها بِأُذُنَيْكَ، حَيْثُ تُعْلِنُ حَواسُّكَ وجَوارِحُكَ الاسْتِسْلامَ والْخُضُوعَ لِقُوَّةٍ أُخْرَى تَتَحَكَّمُ فِيكَ.
وقَدْ سَقَطَ الْجَسَدُ أَخِيرًا ولَمْ يَعُدْ لَه أيُّ أحْلَامٍ أوْ تَطَلُّعاتٍ، وانْتَصَرَتِ الرُّوحُ!
و هَكَذَا تَسِيرُ أنْتَ.. مُتَأرْجِحًا أحْيَانًا بَيْنَ الْقُوَّةِ والضَّعْفِ، في مَكَانٍ مَا بَيْنَ اللِّينِ والْقَسْوَةِ، بَيْنَ الشِّدَّةِ والرَّخَاوَةِ.
عَلَيْكَ أنْ تَحْمَدَ اللهَ كَثِيرًا علَى نِعْمَةِ الألَمِ.. علَى نِعْمَةِ الْغُرْبَةِ.. وغَيْرِهَا مِنَ النِّعَمِ المُشَابِهَةِ.. لِمَاذَا؟
لأنَّه لَوْلَا تِلْكَ الْمِنَحُ الَّتِي لَبِسَتْ زِيَّ الْمِحَنِ في بَهَاءٍ لَمَا كُنْتَ الْيَوْمَ  «أنْتَ».
لَقَدْ نَجَحَ الألَمُ أنْ يَجْعَلَك غَيْرَ مُتَّصِلٍ.. غَيْرَ مُتَّصِلٍ بِعَالَمِ الأحْلَامِ.. فَلَمْ يَعُدْ يَلْفِتُ انْتِبَاهَك شَيْءٌ ولَمْ يَعُدْ هُنَاكَ شَيءٌ قَدْ يَسْرِقُ نَظَركَ.. لِمَاذَا؟ 
لأنَّ الحَواسَّ قَدْ وَقَعَتْ أسِيرَةً بَعْدَ حَرْبٍ دَامِيَةٍ في لَيْلَةٍ بَيْضَاءَ أَعْلَنَ فيها الْقَدَرُ انْتِصَارَ الرُّوْحِ.. 
لَكِنَّكَ قَدْ تَحْزَنُ.. قَدْ يَشْتَدُّ ألَمُكَ.. قَدْ تُصِيبُكَ نَوَائِبُ الدَّهْرِ!
نَعَم.. لأنَّ هُنَاكَ مُحَاوَلاتٍ خَبِيثَةً مِنْ نَفْسِكَ تُحَاوِلُ فِيهَا جَرْجَرَةَ الرُّوْحِ إلَى الْهَزِيمَةِ لِتُعَاوِدَ السَّيْطَرَةَ عَلَيْكَ مُجَدَّدًا وتَحْمِلَكَ إلَى تَطَلُّعَاتِهَا فَيَقِفَ الألَمُ هُنَا مَوْقِفَ الفَارِسِ النَّبِيلِ الَّذِي يُدَافِعُ عَنْ قَلْعَةِ الرُّوْحِ.
فَمَازَالَ الألَمُ يَطُوفُ بِبُنْيَانِ رُوحِكَ النُّورَانِيِّ حتَّى يَحْفَظَها ويُحَافِظَ عَلَيْهَا.
وهَلْ يَخَافُ هَؤلاءِ؟
نَعَم.. يَخَافُون بِشِدَّةٍ..
مِمَّنْ؟ 
مِنَ اللهِ.. فَهُمْ عِنْدَمَا تَرَكُوا الدُّنْيَا قَدْ عَاهَدُوا اللهَ علَى الإتْقَانِ وحُسْنِ عِمَارَةِ الأرْضِ، فإذَا شَعَرُوا بِأَنَّ سَيْرَهُم قَدْ خَالَطَتْه شُبُهاتُ الضَّياعِ.. تَسَلَّلَ الرُّعْبُ إلَى قُلُوبِهم فَتَراهُمْ سُكَارَى ومَا هُمْ بِسُكَارَى ولَكِنَّ قِيَامَتَهُم قَدْ قَامَتْ!
هَؤُلاءِ أقْوَامٌ  قُبُورُهُم بَيْنَ أضْلُعِهِم.. وسُؤالُ مَلائِكَتِهم دَائِمٌ بِدَوامِ سَيْرِهِم إلَى اللهِ.
وأَيْنَ نَصِيبُ الْقَلْبِ مِنَ الدُّنْيَا!
اعْلَمْ يَا صَدِيقِي أنَّ هُناكَ مَنْ أَخَذَ نَصِيبَه كَامِلًا فَاكْتَمَلَتْ دُنْياه وشَحَّ نُورُه.
وهُنَاكَ مَنْ أخَذَ جُزْءًا فانْتَصَفَتْ دُنْيَاه وانْتَصَفَ نُورُه.
وهُنَاك مَنْ سَمِعَ عَنِ الدُّنْيَا ولَمْ يَأْخُذْ مِنْهَا أيَّ شَيءٍ.. فَانْعَدَمَتْ دُنْياه واشْتَدَّ نُورُه.
لا يَكْتَمِلُ النُّورُ بِغَيْرِ الألَمِ، والألَمُ فَارِسٌ نَبِيلٌ لا يُدَافِعُ إلَّا عَنِ الْقِلَّةِ.. الْقِلَّةِ الَّتِي تَسِيرُ إلَى اللهِ بآدَابِ التَّجَلِّي.
سِرْ بِالسِّرِّ إلَى اللهِ.
ومَا السِّرُّ؟
السِّرُّ في « لَا إلَه إلَّا اللهُ »
فَاعْلَمْ أنَّه لَا إلَه إلَّا اللهُ..
وهَلْ تَكْفِي لَا إلَه إلَّا اللهُ؟
إذَا عَلَّمَكَ اللهُ مَعْنَاها وحَقَّقَكَ مِنْ مَنَازِلِهَا فَهِي أَصْلُ الإيمَانِ، ومَبْلَغُ التَّوْحِيدِ، ورُكْنُ الْوُصُولِ.. تَكْفِيكَ عَنْ كُتُبِ الْعِلْمِ قَاطِبَةً، تَكْفِيكَ عَنْ سُؤالِ الْخَلْقِ في أيِّ شَيءٍ.. 
تُغْنِيكَ.. تَكْفِيكَ.. تَحْفَظُكَ.. 
فَاعْلَمْ أنَّه لَا إلَه إلَّا اللهُ.


#خواطر_السائرين #سر_بالسر_إلى_الله #الألم_والغربة_نعم_من_الله #القوة_والضعف #حواس_الاستسلام #الرضا_بقدر_الله #الألم_والتحديات #التوحيد_أصل_الإيمان #لا_إله_إلا_الله #التوكل_على_الله