08 Feb 2024
عَزِيزِي مَلَكُ الْمَوْتِ تَحِيَّةً طَيِّبَةً، وبَعْدُ
أرَدْتُ أنْ لَا أسْألَكَ عَنْ مَوْعِدِ انْتِقالِي مِنْ بَيْتِي إلَى بَيْتِكُم.. حَيْثُ إنَّنِي أصْبَحْتُ لا أكْتَرِثُ بِحَيَاتِي مِنْ وفَاتِي.
فَالْكُلُّ سِيَّان.. ولطَالمَا الْحَيَاةُ بَدَأتْ بِغَيْرِ عِلْمٍ مِنِّي وسَتَنْتَهِي بِغَيْرِ إذْنٍ مِنِّي فَهَذَا يَعْنِي أنَّنِي عَبْدٌ لَا قَرَارَ لِي في شُئُوني.
إذًا...لطَالمَا عِنْدِي مَنْ يَتَوَلَّى أمْرِي في يَسَارِي وإعْسَارِي.. في طَاعَتِي وعِصْيَانِي.. فَهُوَ كَفِيلٌ أنْ يَرْفَعَ الْقَلَمَ عَنْ آخِرِ كَلِمَةٍ سَوْف تَنْطَلِقُ مِن لِسَانِي، وعَنْ آخِرِ عَمَلٍ سَأسْعَى لَه بِقَدَمِي وإصْرَارِي.
عَزِيزِي مَلَكُ الفِراقِ، أعْلَمُ جَيِّدًا أنَّكَ سَتَأْتِي إلَيَّ عِنْدَمَا أبْدَأُ في مَحَبَّةِ الْأشْيَاءِ والْحَيَاةِ، وأعْلَمُ جَيِّدًا أنَّك تَتَمَنَّى لَوْ أنَّ لِي ذُرِّيَّةً أخْشَى بَقَاءَهُم مِنْ بَعْدِي.
وَأعْلَمُ جَيِّدًا أنَّك تَتَمَنَّى لَوْ أنَّ لِي أحِبَّةً أخْشَى الْفِرَاقَ عَلَيْهِمْ... ولَكِنْ مَاذَا بَعْدَ أنْ يَرْفَعَ اللَّهُ الْقَلَمَ عَنْ آخِرِ أنْفَاسِي وأعْمَالِى... أنَا لَا أظُنُّ أنَّ كُلَّ مَا أخْشَى سَوْفَ يَظَلُّ مُعَلَّقًا في حَقِيبَتِي حِينَ وُصُولِي إلَيْكُم.
الْأحْيَاءُ وحْدَهُم مَنْ سَيَتَكَبَّدُون ألَمَ الْفِرَاقِ، أمَّا أنَا فَإِنْ كُنْتُ مِنَ السُّعَدَاءِ فَسَوْفَ أكُونُ في الْأمَانِ، وإِذَا كُنْتُ مِنْ الْأشْقِيَاءِ فَلَنْ تَنْتَهِي مَأْسَاتِي.
إنِّي مُفَارِقٌ إلَيْكُم - سَيِّدِي - رُبَّمَا الْيَوْمَ أوْ غدًا أوْ بَعْدَ عَامٍ أوْ أعْوَامٍ.. فَمَا فَعَلْتُه مِنْ خَيْرٍ فَاللَّهُ بِهِ عَلِيمٌ، ومَافَعَلْتُه مِنْ شَرٍّ فَذَلِك ضَعْفُ نَفْسِي، واللَّهُ مِنْ ورَائِه غَفُورٌ رَحِيمٌ.
أرَدْتُ فَقَطْ أنْ أقُصَّ لَك عَنِّي خَبَرًا هَامًّا.. أنَا لَا أخْشَى الْمَوْتَ - سَيِّدِي - الْآنَ أوْ غدًا، ولَا أخْشَى الْقَبْرَ، ولَسْتُ مِمَّن أغْلَقُوا الأبْوَابَ علَى الذُّنُوبِ وعَاشُوا صَالِحِين أبَدَ الدَّهْرِ، ولَكِنْ أنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ لَا حِيلَةَ لَهُمْ سِوَى السَّعْي والتَّصْدِيق.
أنَا مِنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ ضَرَبَ الْخَوْفُ أعْنَاقَهُم، فَالْمَوْتُ لَهُم مَرَّةً حِينَ خَافُوا، والْحَيَاةُ لَهُمْ هِيَ عِنْدَ الْمَوْتِ.
لَسْتُ مِنْ هَؤُلَاءِ الْأبْرَارِ ولَكِنَّنِي تَقَبَّلْتُ الْحَيَاةَ و تَقَبَّلْتُ الْقَدَرَ، ورَضِيَتُ بِالْمَنْعِ قَبْلَ الْعَطَاءِ، ورَضِيَتُ بالضِّيقِ قَبْل الرَّخَاءِ، وعَفَوْتُ عَنْ كُلِّ مَنْ ظَلَم.
وَهَذِه قِصَّتِي أحْبَبْتُ أنْ تَعْلَمَها لِأنَّنِي أعْلَمُ وأشْعُرُ بِكَ حَوْلِي تَقْطِفُ الْأرْوَاحَ وكَأنَّه مَوْسِمُ الحَصَادِ لَدَيْكُم، ولَقَدْ تَعَدَّدَتْ أسْبَابُ فِرَاقِي فَمَا أنْتَ عِنْدِي بمُتَّهَمٍ سَيِّدِي لَوْ كُنْتُ أنَا مَنْ تَنْتَظِرُ!
أسْمَعُ صُرَاخَكَ حِينَ تَصْرُخُ في الْعُصَاةِ عِنْدَ الْمَوْتِ وأنْتَ تَقُولُ: اُخْرُجْ إلَى رَبٍّ غَضْبَان.. وكَمْ أفْزَعْتَنِي بِضَجِيجِ مَوْكِبِكَ وأنْتَ تَحْصُدُ الْأرْوَاحَ وتَنْطَلِقُ في رِكابِكَ.
أفْزَعْتَنِي مَرَّاتٍ، وأخَذْتَ أحِبَّتِي مَرَّاتٍ، و ضَرَبْتَ عُنُقِي بِسَيْفِ الْفِرَاقِ.
مَلَاكُ الْفِرَاقِ الْجَمِيلِ، رَجَوْتُك بِاللَّهِ أنْ تَأْخُذَنِي هَوْنًا وتُخْرِجَنِي رِفْقًا، فَكَفَى بِفِرَاقِ الْحَيَاةِ ألَمًا، فَلَا تَزِدْ في ذَلِكَ سَيِّدِي.
رُبَّمَا تَأْتِينِي وأنَا في صَلَاتِي، ورُبَّمَا تَفْزَعُنِي في عِصْيانِي وابْتِعَادِي، أوْ قَدْ تَأْتِينِي في عَمَلِي واجْتِهَادِي... فَعَلَيْك الرِّفْقَ بِي.
وَأمَّا سَاعَتِي فَهِي شَأْنُ اللَّهِ إنْ شَاءَ وحْدَه أحْسَنَ خِتامِي.
عَزِيزِي، يَا مَنْ ظَلَمَكَ الْبَشَرُ وظَنُّوا في اسْمِك الْكَآبَةَ.. طِبْتَ طَائِعًا للَّه... طِبْتَ حَيًّا بِاسْمِ اللَّهِ الْحَي.
طِبْتَ مَيِّتًا يَوْمَ لَا مُلْكَ إِلَّا مُلْكُ اللَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ.
#خواطر_السائرين #ملك_الموت #الحياة_والموت #القدر_والقضاء #الاستسلام_لأمر_الله #الحكمة_في_الفراق #التسليم_لقضاء_الله #الرضا_بالقدر #الحياة_والموت_في_الإسلام #قبول_المصائب #التوكل_على_الله