08 Feb 2024
لَا تَلْتَفِتْ
إذَا نَظَرْتَ إلَى الأسْفَلِ أصَابَتْكَ الْخَيْبَةُ والْحُزْنُ مِنْ واقِعٍ قَادِمٍ لاشَكَّ- ألَا وَهُوَ انْقِطَاعُ الْحَبْلِ وحَتْمِيَّةُ السُّقُوطِ، وإذَا نَظَرْتَ إلَى الأعْلَى سَتَفْقِدُ تَوَازُنَك... فَمَا الْحَلُّ؟
الْحَلُّ أنْ تَنْظُرَ إلَى الأمَامِ.. وتَمْضِي في طَرِيقِكَ بإيمَانٍ تَامٍّ في اللهِ، وذَلِكَ لأنَّكَ تَعْلَمُ أنَّ إبْرَاهِيمَ قَدْ دَخَلَ إلَى النَّارِ وحِيدًا خًائِفًا فَطَلَّتْ عَلَيْه الْعِنَايَةُ الإلَهِيَّةُ فَغَيَّرَتْ صِفَةَ النَّارِ فَجَعَلَتْهَا لَا تَحْرِقُ.
ويُونُسُ نَزَلَ في بَطْنِ الْحُوتِ وَحْدَه، فَطَلَّتْ عَلَيهِ الْعِنَايَةُ الإلَهِيَّةُ فَجَعَلَتْه في أمْنٍ وأمَانٍ!
وإسْمَاعِيلُ خَرَجَ مَعَ أبِيهِ إلَى الذَّبْحِ فَوضَعَ أبُوه السِّكِّينَ علَى رَقَبَتِه! فَطَلَّتْ عَلَيهِ الْعِنَايَةُ الإلَهِيَّةُ فَلَمْ يُذْبَحْ!
ومُوسَى وَقَفَ ومِنْ خَلْفِه الْبَحْرُ ومِنْ أمَامِه فِرْعُوْنُ! ولَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَدارِسُ لِتَعْلِيمِ السِّبَاحَةِ فَهُوَ لَا يَسْبِحُ، وبِالرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ طَلَّتْ عَلَيهِ الْعِنَايَةُ الإلَهِيَّةُ فَشَقَّتِ الْبَحْرَ!
وزَكَرِيَّا إذِ افْتَقَدَ الذُّرِيَّةَ فَدعَا رَبَّه بَيْنَمَا نَفَدَتِ الأسْبَابُ الْمَنْطِقِيَّةُ لَدَيْه مِنَ الإنْجَابِ؛ فَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ وزَوْجَتُه عَاقِرٌ! وبِالرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ رَزَقَه اللهُ بِيَحْيَى!
وعِيسَى إذْ تآمَرُوا عَلَيه بِالْقَتْلِ فَطَلَّتْ عَلَيهِ الْعِنَايَةُ الإلَهِيَّةُ فَرَفَعَتْه.
ومَرْيَمُ إذْ جَاءَتْ بِوَلَدٍ بِغَيْرِ والِدٍ! وتَحدَّتِ الْعِنَايَةُ الإلَهِيَّةُ بَنِي إسْرائيلَ بِهَذَا الْوَلَدِ.. الَّذِي يَتَكَلَّمُ في الْمَهْدِ ويُبْرِئ الأكْمَهَ والأبْرَصَ ويُحِيِي الْمَوْتَى بإذْنِ اللهِ!
ويُوسُفُ الَّذِي ألْقَاهُ إخْوَتُه في قَاعِ البِئْرِ وبِيعَ بِثَمَنٍ بَخْسٍ! طَلَّتْ عَلَيهِ الْعِنَايَةُ الإلَهِيَّةُ فَحَمَلَتْه إلَى عَرْشِ مِصْرَ!
والنَّبِيُّ مُحَمَّدٌ ﷺ الَّذِي حَارَبَتْه الأرْضُ بِكُلِّ قُوَّتِها وبِالرَّغْمِ مِنْ ذَلِكَ خَضَعَتْ لَه.. وآمَنَتْ بِه وأشْرَقَتْ!
إنَّ سِكِّينًا لَمْ تَقْتُلْ إسْمَاعِيلَ، وحُوتًا لَمْ يَهْضِمْ يُونُسَ، ونَارًا لَمْ تَحْرِقْ إبْرَاهِيمَ، وظَالِمًا لَمْ يَقْدِرْ علَى مُوسَى، كُلُّ هذَا يُعَلِّمُكَ أنَّ الْغَرَضَ مِنَ الابْتِلاءِ هُوَ أنْ يَأْخُذَكَ إلَى مَنْطِقَةٍ بَعِيدَةٍ لِتَكُونَ وَحْدَك.
أنْتَ فَقَط وإيمَانُك! فإنْ آمَنْتَ أنَّ اللهَ سَيُنْقِذُكَ فهَذَا يَعْنِي أنَّ الاخْتِبَارَ قَد تَمَّ، وأنَّ الِعَنَايَةَ الإلَهِيَّةَ قَدْ طَلَّتْ عَلَيْكَ بِرِدَاءِ النَّجَاةِ كمَا كَانَتْ تَفْعَلُ دائِمًا مَعَ الأنْبِياءِ والأوْلِياءِ والصَّالِحِينَ.
فَلَوْ كَانَ للشَّكْوَى والْعِتَابِ مَعْنًى، فَلِمَاذَا إذًا أسَرَّهَا يُوسُفُ في نَفْسِه؟
لَوْ كَان لإبْدَاءِ الْحُزْنِ مَعْنًى فَلِمَاذَا إذًا تَولَّى عَنْهُم يَعْقُوبُ!
ولَوْ كَان في مُخَاطَبَةِ النَّاسِ خَيْرٌ فَلِمَاذَا إذًا صَامَتْ عَنِ الكَلَامِ مَرْيَمُ، وفَعَلَها أيْضًا زَكَرِيَّا؟
علَى مَائِدَةِ الألَمِ تَوَجَّعْ بِهُدُوءٍ فَأنْتَ في ضِيَافَةِ اللهِ.. لَسْتَ بِحَاجَةٍ إلَى أَحَدٍ.. فَكُلُّ مَنْ آذَاك يَعْلَمُ بِفِعْلَتِه ولَكِنَّك هَيِّنٌ عِنْدَ الْجَمِيعِ، وأنْتَ عِنْدَ اللهِ لَنْ تَهُونَ.
لأنَّه هُوَ الْخَبِيرُ اللَّطِيفُ: { أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ }( ).
لَنْ تَضُرَّكَ شَفْرَةُ السِّكِّينِ الَّتِي تَسِيرُ عَلَيهَا، ولَا هَذَا الْحَبْلُ الَّذِي أوْشَكَتِ النِّيرانُ أنْ تَقْطَعَه مَادُمْتَ تُؤمِنُ أنَّ اللهَ نَاصِرُكَ.. وأنَّه وَلِيُّكَ وأنَّه هُوَ يَتَولَّى أمْرَكَ.
إنَّ هذَا الدِّينَ مَتِينٌ، تَكْمُنُ قُوَّتُه في إيمَانِكَ.. مَتَى آمَنْتَ باللهِ مُخْلِصًا لَه الدِّينَ.. أخْرَجَك مِنْ دَوائِرِ المَعْقُولَاتِ إلَى دَوائِرِ الْمُعْجِزَاتِ.. لأنَّه اللهُ.
لا تَلْتَفِتْ.. فالْحَبْلُ لَا يَنْقَطِعُ باللَّهَبِ ولَا بِالسِّكِّينِ.. الْحَبْلُ يَنْقَطِعُ إذَا أيْقَنْتَ أنَّ اللَّهَبَ والسِّكِّينَ هُمَا أشَدُّ قُوَّةً مِنَ اللهِ! ويَشْتَدُّ ولَا يَنْقَطِعُ إذَا عَلِمْتَ أنَّهُم مِنْ مَظَاهِرِ قُوَّةِ اللهِ الَّتِي إنْ شَاءَ جَعَلَها لَكَ لَا عَلَيْكَ.
امْضِ رَاشِدًا... ولَا تَلْتَفِتْ يَافَتى فَرَبُّكَ شَدِيدُ الْقُوَّةِ.
#خواطر_السائرين #الثقة_بالله #التفاؤل #التوكل_على_الله #الايمان_بالله #الصبر #التفكير_الايجابي #التفاؤل_بالله #الاعتماد_على_الله #العبرة_من_سيرة_الأنبياء