08 Feb 2024
عِلْمُ النَّظْرَةِ
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ علَى مُوسَى بِعِلْمِ النَّظْرَةِ، ذَلِكَ الْعِلْمُ الْمَعْنِيُّ بِالصُّعُودِ فَوْقَ جَبَلِ الْألَمِ والْمَشَقَّةِ لِيَرَى كُلَّ شَيْءٍ مِنْ فَوْقِ جَبَلٍ عَالٍ.. لِذَلِك دَعَتْه الْعِنَايَةُ الْإِلَهِيَّةُ فَوْقَ جَبَلٍ عَظِيمٍ مِنْ أجْلِ اللِّقَاءِ والتَّكْلِيمِ.
لِأنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ أنَّ رِسَالَتَه شَاقَّةٌ، وقَوْمَه أهْلُ جُحُودٍ؛ حَتَّى الْخَضِرُ نَفْسُه لمَّا قَابَلَ مُوسَى ورَفَعَ الْجِدَارَ لِأهْلِ الْقَرْيَةِ الَّتِي لَمْ تُقَدِّمْ لَهُمُ الضِّيَافَةَ، كَان يُؤَكِّدُ لِمُوسَى هذَا الْمَعْنَى.
إنَّ الْإصْلَاحَ وعِمَارَةَ الْأرْضِ لَيْسَتْ خَدَمَاتٍ نُقَدِّمُهَا لِمَنْ يَسْتَحِقُّ فَقَط.. لَا بَلْ نُقَدِّمُهَا لِلْجَمِيعِ حَتَّى ولَوْ لَمْ يَسْتَحِقُّوا؛ لِأنَّ زِرَاعَةَ الْخَيْرِ والْجَمَالِ هِي الْأصْلُ بِغَضِّ النَّظَرِ عَنْ حَقِيقَةِ قُلُوبِ مَنْ نُقَدِّمُ لَهُمُ الْخِدْمَةَ.
كُلُّ هَذِهِ الرَّسَائِلِ الَّتِي وجَّهَتْهَا الْعِنَايَةُ الْإلَهِيَّةُ لِمُوسَى - سَوَاءٌ بِالتَّكْلِيمِ أوْ بِالخَضِرِ - كَانَتْ مِنْ أجْلِ بَثِّ الْأمَلِ فِيهِ لِأنَّ قَوْمَهُ أهْلُ جُحُودٍ، ولَوْلَا أنَّهُ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ لَنَزَل الْيَأسُ ضَيْفًا علَى قَلْبِه.
لَعَلَّ الْحِكْمَةَ مِنْ هَذِهِ الرِّحْلَةِ الشَّاقَّةِ مِنْ سَطْحِ الأرْضِ إلَى قِمَّةِ الجَبَلِ أنْ يَقِفَ مُوسَى بِهُدُوءٍ لِيَسْتَطْلِعَ أحْوَالَ الْمَلَكُوتِ فَيَتَعَلَّمَ أنْ يَرَى الْأُمُورَ مِنْ فَوْقِ قِمَّةِ الْجَبَلِ فَيَسْتَصْغِرَ قَدْرَهَا، ويُقَلِّبَ وجْهَهُ في السَّمَاءِ فَإذَا بِه إلَى اللَّهِ أقْرَبُ، فَهُوَ يُحَدِّثُه ويُلَاطِفُه بِقَوْلِه: {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَامُوسَى (17) قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى (18)}( ).
فَإنَّ حَوْلَ مُوسَى وقُوَّتَه هِيَ عَصَاه، وأرَادَ اللَّهُ أنْ يُخْرِجَهُ مِنْ حَوْلِهُ وقُوَّتِه فَقَالَ لَهُ:{ ألْقِهَا يَا مُوسَى فَألْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى قَالَ خُذْهَا ولَا تَخَفْ سَنُعِيدُهَا سِيرَتَهَا الْأُولَى}( ).
كَانَتْ مُجَرَّدَ عَصًا ثُمَّ تَحَوَّلَتْ إلَى مُعْجِزَةٍ.. عِنْدَمَا صَعِدَ مُوسَى فَوْقَ جَبَلِ الْحَيَاةِ الصَّعْبَةِ، ورَأى كُلَّ شَيْءٍ بِحَجْمِه الصَّحِيحِ.
هَكَذَا يَخْرُجُ الْإِنْسَانُ مِنَ الْمَعْقُولَاتِ إلَى الْمُعْجِزَات، إنَّ الْمُعْجِزَاتِ لا تَنْتَهِي لِأنَّ الْإِنْسَانَ في تَكْوِينِه مُعْجِزَةٌ بَاهِرَةٌ!
وَفي هَذِه اللَّقْطَةِ حِكْمَةٌ عَظِيمَةٌ، وكَأنَّ اللَّهَ يُلَاطِفُه لأنَّهُ يَعْلَمُ أنَّ قَوْمَهُ أهْلُ جُحُودٍ لَنْ يُؤْمِنُوا بِه الْإِيمَانَ التَّامَّ مَهْمَا أخْرَجَ لَهُمْ مِنْ مُعْجِزَاتٍ بَاهِرَةٍ.. فَأرَاد اللَّهُ أنْ يُعْلِّمَهُ فِقْهَ النَّظْرَةِ؛ أنَّهُ مَهْمَا حَاوَلَ أنْ يُدَقِّقَ النَّظَرَ فِيهِمْ مِنْ أعْلَى الجَبَلِ فَلَنْ يَسْتَطِيعَ أنْ يَتَحَقَّقَ مِنْ أشْكَالِهِم وأحْجَامِهِم فَهُم صِغَارٌ في كُلِّ شَيْءٍ.
قِيمَتُهُم بِدُونِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ لَا تَتَجَاوَزُ حَدَّ الصِّفْرِ أبَدًا.. وأنَّ مَا يَسْتَحِقُّ أنْ يَنَالَ نَظْرَةً هُوَ ذَلِكَ الْجَمَالُ المُحَلِّقُ حَوْلَه، الْكَامِنُ في الْإِبْدَاعِ الَّذِي صَوَّرَ اللَّهُ بِه الْأرْضَ والسَّمَاءَ والْجِبَالَ. والأجْمَلُ علَى الْإِطْلَاقِ تِلْكَ الْعِنَايَةُ الْإلَهِيَّةُ الَّتِي حَدَّثَتْه ولاطَفَتْه.
وَهَكَذَا نَحْنُ في حَيَاتِنَا الْيَوْمَ يَجِبُ أنْ نُقَاتِلَ مِنْ أجْلِ رُؤْيَةِ الْأمُورِ بِحَقِيقَتِهَا، وأنْ لَا نَتْرُكَ أنْفُسَنَا لِهَذَا الْعَالَمِ السُّفْلِيِّ الْمُتَحَقِّقِ مِنَ اللَّغْوِ والْمَكْرِ والْخَوْضِ.. وأنْ نُحَلِّقَ في فَلَكِ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ الَّذِي يَفِيضُ بِمَعِيَّةِ اللَّهِ وقُرْبِه ولُطْفِه.
فالصُّعُودُ فَوْقَ جَبَلِ أحْزَانِنَا وهُمُومِنَا صَار فَرِيضَةً لَا يُمْكِنُ بِأيِّ حَالٍ مِنَ الْأحْوَالِ أنْ نَتَجَاهَلَها.
فَأنْتَ هُنَا في هَذِهِ الدُّنْيَا وَحْدَك غَرِيبٌ مَهْمَا كَثُرَتِ الْأجْسَادُ مِنْ حَوْلِك، طَالَمَا سَتَدْخُلُ إلَى قَبْرِكَ وحْدَكَ، وتُبْعَثُ وَحْدَك، وتُحْشَرُ وحْدَكَ، وتُحَاسَبُ وحْدَك! فَأنْتَ الْغَرِيبُ مَهْمَا تَلَوَّنَتِ الْوُجُوهُ مِنْ حَوْلِكَ.
فَلْتَبْدَأ في رِحْلَةِ الصُّعُودِ.. ولْيَكُنِ اتِّكَاءُ قَلْبِك علَى اللَّهِ فَقَطْ، فَكُلُّ اتِّكَاءٍ علَى غَيْرِهِ عَرَجٌ، وكُلُّ عَمَلٍ لَا يُرجَى بِه وجْهُه عِوَجٌ، وكُلُّ سُقُوطٍ في كَفِّ عِنَايَتِه عُلُوٌّ، وكُلُّ ألَمٍ في الطَّرِيقِ إلَيْهِ فَرَجٌ.
حَسْبُكَ اللَّهُ.
اللَّهُمَّ أخْرِجْنَا مِنْ ضِيقِ الْمَعْقُولَاتِ إلَى سَاحَاتِ الْمُعْجِزَاتِ الْخاللَّهُمَّ أخْرِجْنَا مِنْ ضِيقِ الْمَعْقُولَاتِ إلَى سَاحَاتِ الْمُعْجِزَاتِ الْخَالِدَةِ.
#علم_النظرة
#تفاؤل
#تأمل
#الإيمان_بالله
#الحكمة
#الصبر_والثبات
#التواضع
#التأمل_الروحي
#التفكر_والتأمل
#التعلم_من_الحياة
#التطور_الروحي
#الحياة_المعنوية
#التأمل_في_آيات_الله
#القوة_الداخلية
#التفاؤل_بالحياة
#السعادة_الداخلية
#الإيمان_بالقدر
#الحكمة_من_وراء_الابتلاءات
#الصبر_والتسليم
#التأمل_في_آثار_الخلق