08 Feb 2024
مِمَّا نُكابِدُ
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْعَائِدِينَ مِنَ الْمَوْتِ فَقُلْ:
إِذَا أَرَدْتَ أَنْ تَفْهَمَ مَعْنَى الْحَمْدِ، خُذْهُ مِمَّنْ صَافَحُوا مَلَكَ الْمَوْتِ يَدًا بِيَدٍ، ثُمَّ قِيلَ لَهُم: ارْجِعُوا فَقَدْ أَمْهَلْنَاكُمْ مُهْلَةً جَدِيدَةً.
هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُقَالُ عَنْهُمْ: كَتَبَ اللَّهُ لَهُمْ عُمْرًا جَدِيدًا، هَؤُلَاءِ الَّذِينَ تَوَقَّفَتْ أَنْفَاسُهُمْ لِلَحَظَاتٍ وَمَرَّتْ أَمَامَ أَعْيُنِهِمْ شَرَائِطُ الذِّكْرَيَاتِ، وَبَيْنَ حُطَامِ الْحَوَادِثِ وَدِمَاءِ الْأَصَابَةِ وَصَرَخَاتِ الِاسْتِغَاثَةِ وَنِدَاءِ الْإنْذَارِ لِسَيَّارَاتِ الْإسْعَافِ وَقَفُوا بِلَا حِرَاكٍ إِذْ رُبَّمَا تَكُونُ هَذِهِ هِيَ آخِرَ دَقَائِقِ الْعُمرِ فَيَنْصَرِفُوا إِلَى اللَّهِ، وَرُبَّمَا تَكُونُ أَوَّلَ دَقَائِقَ في فُرْصَةٍ جَدِيدَةٍ.
وَلَطَالَمَا كَانَ اللِّقَاءُ الْأَوَّلُ مَعَ مَلَكِ الْمَوْتِ لَيْسَ بِهَيِّنٍ، اسْأَلْ هَؤُلاءِ عَنْ رَائِحَةِ الْمَوْتِ فَهُمْ يَعْرِفُونَهَا جَيِّدًا، كُنْ حَذِرًا مِنْ مُجَالَسَتِهِمْ فَهُمُ الَّذِينَ عَرَفُوا الْحَقِيقَةَ يَقِينًا، وَلَكِنْ مَا بَيْنَ الْمَعْرِفَةِ وَالضَّعْفِ قَدْ ضُرِبَتْ خِيَامُهُمْ، هُمُ السُّكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى، هُمُ الْعَائِدُونَ مِنَ النِّهَايَةِ إِلَى الْبِدَايَةِ.
عِنْدَمَا تُقَابِلُ أحَدَهُمْ فَاحْرِصْ عَلَى أَنْ تَخْتَارَ الْكَلِمَاتِ جَيِّدًا لِأَنَّهُمُ الْأَذِلَّةُ مِنْ بَعْدِ عِزٍّ، أَهْوَنُ لَكَ أَنْ تُصَافِحَ عَاجِزًا بِالْفِطْرَةِ عَلَى أَنْ تُصَافِحَ عَاجِزًا بَعْدَ قُوَّةٍ.
تَلَطَّفْ بِكَلِمَاتِكَ فَرُبَّمَا نَزَلَتْ كَحَدِّ السَّيْفِ عَلَى قَرْحٍ أَصَابَهُمْ فَقَطَعَتْهُ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْعَائِدَ إِلَى الْحَيَاةِ بَعْدَ حَادِثٍ كَالطِّفْلِ لَا يُجِيدُ الْكَلِمَاتِ وَالْأَشْيَاءَ، لَا يُجِيدُ الْحَرَكَاتِ وَالْأَفْعَالَ، لَا يُجِيدُ شَيْئًا سِوَى الصَّمْتِ وَالتَّظَاهُرِ بِالْقُوَّةِ الَّتِي تَرَكَهَا آنِفًا بِيَدِ مَلَكِ الْمَوْتِ عَشِيَّةَ اللِّقَاءِ قَبْلَ أَنْ يُطْلَقَ سَرَاحُهُ.
هَيِّنٌ جِدًّا الْمَوْتُ فَجْأَةً إِذْ قَدْ يَبْقَى لَكَ عِنْدَ اللَّهِ أَرْصِدَةٌ مِنَ الْعَفْوِ وَالرَّحْمَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُمْهِلْكَ .. وَصَعْبٌ جِدًّا الْعَوْدَةُ وَالْإمْهَالُ لِأَنَّ أَوَّلَ كَلِمَةٍ سَوْفَ تَصْطَدِمُ بِقَلْبِكَ حِينَ تَعُودُ إِلَى مَقَامِكَ الْأَزَلِيِّ في حَيَاتِكَ الْبَرْزَخِيَّةِ الْجَدِيدَةِ هِيَ: «لَقَدْ أَمْهَلْتُكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ تَكُ شَيْئًا»
أَرَدْتُ أَنْ أكْتُبَ كُلَّ هَذَا فَقَطْ كَرِسَالَةٍ لِكُلِّ مَنْ وَقَعَتْ أَجْسَادُهُمْ في حَوَادِثِ الْقَدَرِ وَلَمْ يَكُونُوا مِنَ الْمَطْلُوبَيْنَ في كَشْفِ الْمَوْتِ فَأُطْلِقَ سَرَاحُهُمْ فَعَادُوا بِأَجْسَادِهِمْ وَلَكِنْ أَرْوَاحُهُمْ تَجُولُ في السَّمَاءِ، مَازَالَتْ مُعَلَّقَةً تَرْفُضُ سِجْنَ الْجَسَدِ وَتَأْبَى الْعَوْدَةَ إِلَى اللَّهِ لِأَنَّهَا تَعْلَمُ أَنَّهَا لَمْ تَسْلُكْ مَسْلَكَ الصَّالِحِينَ يَوْمًا.
فَوَجَدْتُ هَذِهِ الصُّورَةَ مُعَبِّرَةً جِدًّا عَنِ الْحَالِ الَّذِي يَرَى بِهِ هَؤُلَاءِ الدُّنْيَا الْآنَ، أنْ تَرَى الدُّنْيَا مِنْ مَقْعَدِ قَبْرٍ فَلَا تَجِدُ إِلَّا وَجْهَ السَّمَاءِ وَحَبْلًا رُبَّمَا يَنْتَشِلُكَ اللَّهُ بِهِ إِلَى وَصْلٍ بَعْدَ انْقِطَاعٍ.
دَائِمًا تَحْدُثُ أَمُورٌ فَارِقَةٌ، شَدِيدَةُ السَّمْتِ، مُحْرِقَةٌ لِلْقَلْبِ، مُوجِعَةٌ لِلرُّوحِ .. تَذْرِفُ لَهَا الْعَيْنُ دُمُوعًا تَشْهَدُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةُ الأَرْضِ.
هَذِهِ الْحَوَادِثُ قَدْ تَكُونُ انْقِلَابَ سَيَّارَةٍ، مَرَضًا مُفَاجِئًا، مَوْتًا، فِرَاقًا، خِيَانَةً، خِدَاعًا، اسْتِغْلَالًا وَغَيْرَهُمْ.
وَلَكِنْ عِنْدَمَا يَسْتَقِرُّ بِالرُّوْحِ الْأَلَمُ يَلْزَمُ الْقَلْبُ الْكِتْمَانَ وَيَأْبَى أَنْ يَبُوحَ.
خُذِ الْحَمْدَ مِنْ هَؤُلَاءِ.
لَيْسُوا أَهْلَهُ رُبَّمَا لَكِنِ «الْحَمْدُ تَجْرِبَةٌ» لَا تَسْأَلْ عَنْهَا مَنْ لَمْ يُجَرِّبْهَا .. الْمَوَاعِظُ كَثِيرَةٌ وَالْكُلُّ يَسْتَطِيعُ أَنْ يَصْعَدَ إِلَى الْمِنْبَرِ وَيَتَحَدَّثَ عَنِ الْحَمْدِ وَالصَّبْرِ وَالْأَلَمِ، وَلَكِنْ تَظَلُّ قَصَصُهُمْ مَنْقُولَةً حَتَّى تُقَابِلَ أَحَدَهُمْ مِمَّنْ قَابَلُوا مَلَكَ الْمَوْتِ وَجْهًا لِوَجْهٍ حَتَّى إِذَا غَابَ عَنْهُمْ قَالُوا: «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ إِذْ لَمْ يُمْسِكْ بِنَا وَأَطْلَقَنَا، الْحَمْدُ لِلَّهِ إِذْ قُلْنَا: رَبَّنَا أرْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا وَ ارْزُقْنَا مِنْ مَدَدِ الْإمْهَالِ مَا تَرْحَمُنَا بِهِ».
مِنْ هَؤُلَاءِ قِفْ وَتَعَلَّمْ مَعْنَى الْحَمْدِ، لِأَنَّ الْحَوَادِثَ لَيْسَتْ فَقَطْ في دَقَائِقِهَا الْأَ
مِنْ هَؤُلَاءِ قِفْ وَتَعَلَّمْ مَعْنَى الْحَمْدِ، لِأَنَّ الْحَوَادِثَ لَيْسَتْ فَقَطْ في دَقَائِقِهَا الْأَوْلَى، فَمَا بَعْدَهَا أَشَدُّ مِنْهَا.
وَاسْأَلِ الْعَائِدِينَ بَعْدَ عَوْدَتِهِمْ: هَلْ مَا زالَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ؟
لَقَدْ كَانَ لِلْإمْهَالِ ثَمَنٌ لَا يَعْلَمُهُ مَنْ لَمْ يَذُقْهُ.
الْإِمْهَالُ وَالْعَوْدَةُ ثَمَنُهُمَا الْفِرَاقُ؛ فِرَاقٌ مِنْ طِرَازٍ خَاصٍّ، فِرَاقُ كُلِّ مَنْ تُحِبُّ بِشِدَّةٍ
قَدْ يَكُونُ بِالْمَوْتِ ... بِتَقْلِيبِ الْقُلُوبِ .. بِالضَّيَاعِ أَحْيَانًا.
صَرَاخَاتٌ يُطْلِقُونَهَا عِنْدَما يَشْتَدُّ ألَمُهُمْ .. وَأَيُّ ألَمٍ؟!
هَؤُلَاءِ ذَاقُوا رَاحَةَ الْفِرَاقِ ثُمَّ عَادُوا لِقَسْوَةِ الْحَيَاةِ .. سَتَحْسَبُهُمْ قَدِ انْفَلَتَتْ عُقُولُهُمْ لَكِنَّهُمْ قَدْ هَجَرَتْهُمْ أَرْوَاحُهُمْ مُحَلِّقَةً في أَسْرَابِ السَّلَامِ تَأبَى الْعَوْدَةَ.
ثُمَّ تُرَاجِعُ نَفْسَكَ عَنِ الْغَرَضِ وَالْحِكْمَةِ مِنْ كُلِّ هَذَا!
فَتَجِدُ أَنَّ الْغَرَضَ هُوَ أَنْ تَعُودَ إِلَى الدُّنْيَا فَيَصْرِفَ اللَّهُ عَنْكَ كُلَّ مَنْ هُمْ سِوَاهُ حَتَّى لَا تَرَى غَيْرَهُ، وَلَا تَسْمَعَ غَيْرَهُ.
لَمْ يَعُدْ بِكَ اللَّهُ إِلَى الْأَرْضِ لِلرَّفَاهِيَةِ بِلْ لِرِسَالَةٍ، وَاسْأَلِ الْعَائِدَيْنِ عَنْ عَوْدَتِهِمْ فَفِي أَحْوَالِهِمْ جَوَابٌ .. وَانْظُرْ إِلَى زَوَايَا أَعْيُنِهِمْ إذَا أَطْلَقُوا الْبَصَرَ فَفِي كُلِّ مَا يَنْظُرُونَ إِلَيْهِ سَرَابٌ، فَكَانَ كُلُّ مَا حَطَّتْ عَلَيْهِ أَعْيُنُهُمْ سَهْمًا، وَيُعْرُفُ السَّهْمُ حَتْمًا بَعْدَ رِحْلَتِهِ إذْ تَدْمَى الْقُلُوبُ حَيْثُ أَصَابَ.
فَخُذْ مِنْ هَؤُلَاءِ الْعِبْرَةَ وَلَا تَسْأَلَنَّ الزَّمَنَ عَنِ الْجَوَابِ.
وَلَقَدْ رَأَى هَؤُلَاءِ مَلَكَ الْمَوْتِ حَاضِرًا فَلَمْ يَنْفَعْهُمُ الْهَرَبُ بَلْ هَرَبَ مِنْ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ كُلُّ شَيْءٍ سِوَى رَجَاءِ الْبَقَاءِ، وَاسْمَعْ إِلَى قَوْلِ أَحَدِهِمْ فَلَكَ مِنْ فَائِدَةٍ وَفَصْلِ خِطَابٍ: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يُمْسِكْنَا حِينَ عَزَّ الْجَوَابُ .
#الحمد_لله
#الصبر_والايمان
#ملك_الموت
#العائدون_من_الموت
#الحياة_والموت
#الفراق_والعودة
#الصبر_في_المحن
#الحوادث_والتحديات
#التسامح_والعفو
#الحياة_بعد_الموت
#الصمت_والتأمل
#الموت_والفراق
#الحياة_والمعاناة
#تجارب_الحياة
#الحمد_لله_على_كل_حال