08 Feb 2024
المُشْكِلَةُ أنَّك لَا تُشْبِهُ أحَدًا..
لَسْتَ الْأفْضَلَ وَلَكِنَّكَ الأغْرَبُ، النُّسْخَةُ الْحَائِزَةُ بِجَدَارَةٍ علَى التَّفَرُّدِ.. لَكَ أشْبَاهٌ عِدَّة، فَمَثَلًا في عَالَمِ الطُّيُورِ؛ أنْتَ الْعُصْفُورُ الَّذِي يُغَرِّدُ وَحْدَهُ علَى طَرَفِ شَجَرَةٍ في صَحْرَاءَ غَامِضَةٍ نَائِيَةٍ، وَأنْتَ هذَا الْحُوتُ الَّذِي يَجْتَهِدُ في مُحَاوَلاتٍ يَائِسَةٍ لِلْخُرُوجِ مِنْ عَالَمِه بِأنْ يُلْقِيَ بِنَفْسِهِ إلَى الشَّاطِئ.
أنْتَ النَّايُ الَّذِي لَا يَعْزِفُ إلَّا عَنِ الْغُرْبَةِ وَالِانْقِطَاعِ، وأنْتَ اللَّيْلُ الَّذِي يَبْحَثُ عَنِ النَّهَارِ، وأنْتَ السُّكُونُ في مُوسِيقَى الصَّحْرَاء.
لَا تُشْبُه أحَدًا، مَهْمَا اجْتَهَدْتَ أنْ تَتَكَلَّمَ فَالْجَمِيعُ يَسْمَعُ لَكِنْ لَا يَفْهَمُك أحَدٌ، أنْتَ الْفَيْلَسُوفُ الَّذِي سَقَطَتْ فَلْسَفَتُه في حُرُوبِ التَّتَارِ، وأنْتَ الْعَالِمِ الَّذِي غَابَتْ نَظَرِيَّاتُه قَبْلَ اخْتِرَاعِ الْكِتَابَةِ، وَأنْتَ الْحَدِيثُ الَّذِي لَمْ يُرْوَ بَعْدُ كَالْمَتْنِ الْمَقْطُوعِ عَن سَنَدِه.. وَالْكَلِمَةُ الرَّاقِصَةُ بَيْنَ الْحَلْقِ وَاللِّسَانِ.. أنْتَ الَّذِي يَكْمُن بَوْحُكَ في دَوائِر الْكِتْمَان، الْمُشْتَبَهُ بِه دَائِمًا لِأنَّهُ لَمْ يَفْهَمْ بَعْدُ عَرِيضَةَ الاتِّهَام!
أنْتَ التَّائِه بَيْنَ زَوَايَا الْحَقِّ.. في مَكَانٍ بَيْنَ الْمَوْتِ وَالْحَيَاةِ، السَّاقِطُ قَدَرًا مِنْ جَمِيعِ الْبَيَانَاتِ الْبَشَرِيَّةِ.. الصَّامِتُ قَهْرًا في مُوَاجَهَةِ الْأيَّام.
وَمِنَ المُفَارَقاتِ اللافِتَةِ لِلنَّظَرِ! أنَّك قَدْ لَا تُشْبِهُ نَفْسَك أحْيَانًا.. فَسُرْعَةُ تَحَوُّرِ حَالِكَ أسْرَعُ مِنْ تَحَوُّرِ الأوْبِئَةِ الْأرْضِيَّةِ!
وَلَيْسَتِ الْجَرِيمَةُ في غَرَابَةِ شَكْلِكَ.. أوْ لُغَتِكَ.. أوْ حَدِيثِكَ.. بَلْ في تَفْسِيرِ الْجَمِيعِ لِحَالِكَ.. فَأقَلُّ مَا سَيَصِفُكَ بِه الْآخَرُونَ هُوَ أنَّك غَرِيبُ الْأطْوَارِ.
هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْكَ مَشَقَّةَ الْمَسْعَى يَا فَتى.. هَوَّنَ اللَّهُ عَلَيْكَ!
#تفرد #غرابة #النوعية #الغربة #الاختلاف #التميز #الفلسفة #اللاشباه #الشخصية_الفريدة #التحدي #التأمل #الروحانية #الإبداع #الصمت #الفكر #الجمال #الموت_والحياة#خواطر_السائرين