08 Feb 2024
أصْلُ الْإِيمَانِ الْغَائِبِ
وَاعْلَمْ يَا بُنَيَّ -هَدَاكَ اللهُ- أنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ أنْ يَكُونَ مَعَهُ أحَدٌ في قَلْبِكَ!
ولَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنَ الْأمُورِ الْمُسْتَتِرَةِ، بَلْ أعْلَنَها اللَّهُ، وأكَّدَ عَلَيْهَا رَسُولُه، فاللَّهُ لَا يَرْضَى أنْ يُشْرَكَ مَعَهُ في عِبَادَتِهِ أحَدٌ، لَا مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، وَلَا نَبِيٌّ مُرْسَلٌ، ودَلِيلُ ذَلِكَ قَوْلُه : { وَأنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أحَدًا}( ).. وَفي الْحَدِيثِ الْقُدْسِيِّ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:« أنَا أغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، مَنْ عَمِلَ عَمَلًا أشْرَكَ مَعِي فِيهِ غَيْرِي تَرَكْتُه وَشِرْكَهُ }( ).
وَهُنَا الْأمْرُ عَامٌّ يَشْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ، بِمَعْنَى أنَّكَ لَا تَخْرُجُ إلَى عَمَلِكَ وَقَدْ وَقَعَ في نَفْسِكَ أنَّ هَذَا الْعَمَلَ لِلَّهِ، وَلَكِنْ حَتَّى أسْتَفِيدَ مِنْهُ في نَظَرِ رَئِيسِي في الْعَمَلِ أوْ حَتَّى أسْتَحِقَّ عَلَيْهِ أجْرًا مِنَ النَّاسِ.. (إذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ خَرَجْتَ مِنْ دَائِرَةِ الْمَحَبَّةِ) لِأنَّ الْأصْلَ في الْعَمَلِ أنْ يَكُونَ كُلُّه لِلَّهِ، سَوَاءٌ عَمَلُك الَّذِي تَعِيشُ مِنْهُ، أوِ الْآخَرُ الَّذِي تَخْدُمُ فِيهِ الْعَامَّةَ.
إنَّ الْأصْلَ في ذَلِكَ هُوَ عِبَادَةُ اللَّهِ، وَلِهَذَا بِمُجَرَّدِ أنْ تَتَسَلَّلَ الأُمْنِياتُ إلَى قَلْبِكَ بِطَلَبِ الْخَيْرِ(بِالتَّرْقِيَةِ؛ مَثَلًا)، أوْ حَتَّى بِطَلَبِ الشَّرِّ (بأكْلِ السُّحْتِ؛ مَثَلًا)! أوْ غَيْرِ ذَلِكَ، فَأنْتَ هَكَذَا أضَعْتَ علَى نَفْسِكَ مُتْعَةَ الْمَحَبَّةِ.
ولَعَلَّكَ تَسْألُ: مَا الضَّيْرُ في ألَّا أنْسَى نَصِيبِي مِنَ الدُّنْيَا!
أقُوْلُ لَكَ: نَصِيبُكَ مِنَ الدُّنْيَا هُوَ نِتَاجُ عِنَايَتِكَ بِنَصِيبِ نَظَرِ اللَّهِ مِنْ عَمَلِكَ، فَلَوْ كَانَ اللَّهُ هُوَ غَايَتَكَ الوَحِيدَةَ جَاءَتْكَ الدُّنْيَا بِمَحاسِنِها رَاكِعَةً أمَامَ قَدَمِكَ.
وإنِّي أتَعَجَّبُ دَائِمًا لِأهْلِ اللَّهِ إذْ يَقَعُ بَعْضُهُمْ في خَطَأ قَد يُخْرِجُهُم عَنِ الْعِنَايَةِ علَى الرَّغْمِ مِنْ أنَّهُمْ مِنَ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ رَحْمَةُ اللهِ!
إذْ يَقُولُونَ: نَحْنُ نَفْعَلُ هَذَا لِلَّهِ، فَإذَا كَانَ مِجْلابًا لِلْمَصَائِبِ فَلَنْ نَفْعَلَه.. فَلَا حَاجَةَ لنَا بتِلْكَ الْحَسَنَاتِ!
إذَا كُنْتَ تَفْعَلُه لِلَّه حَقًّا الْزَمِ الصَّمْتَ، لِأنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي سَهَّلَ لَك الْخَيْرَ، وأخَذَ بِيَدِكَ إلَيْه.. فَكَانَ واجِبًا عَلَيْكَ الصَّبْرُ علَى الضَرَرِ الْمُتَرَتِّبِ علَى هذَا الْعَمَلِ؛ لِأنَّ أفْعَالَ الْخَيْرِ لَا تَتِمُّ إلَّا بِتَجَارِبِ الشَّرِّ.
لِأنَّ الْخَيْرَ هُوَ مَعْرَكَةٌ مُبَاشِرَةٌ مَعَ الشَّيْطَانِ.. ولَابُدَّ لِأحَدِكُمَا أنْ يَنْتَصِرَ.. ودَائِمًا يَنْتَصِرُ أهْلُ اللَّهِ إذَا أخْلَصُوا.. ولَكِنْ مَا بَيْنَ دُخُولِ الْمَعْرَكَةِ والنَّصْرِ أيَّامٌ ورُبَّمَا شُهُورٌ أوْ سَنَوَاتٌ مِنَ الْأذَى والضَّرَرِ، وإِلَّا فَكَيْفَ يَكُونُ للنَّصْرِ مَعْنًى!
إذَا أرَدْتَ أنْ تَكُونَ مِنْ أهْلِ الْخَيْرِ فَاعْلَم أنَّ أهْلَ الْخَيْرِ يَصْبِرُون علَى أذَى إتْمَامِه.. فَأدْنَى مَرَاتِبِ الْخَيْرِ هُوَ أنْ تَخُوضَ الْمَعْرَكَةَ مَعَ نَفْسِكَ فَتُجْبِرَهَا علَى التَّصَدُّقِ ومُسَاعَدَةِ الْمَسَاكِينِ فَذَلِكَ جِهَادُ الْمَالِ.. وأعْلَى مَرَاتِبِ الْخَيْرِ هُوَ ذَلِكَ الَّذِي تُصْلِحُ بِه الْأرْضَ وتَعْمُرُها.
وكَمَا أنَّ لِلْبَاطِلِ قُوَّةً تَحْمِيهِ.. فَلِلْحَقِّ قُوَّةٌ تَحْمِيه، وعَلَيْكَ أنْ تَتَعَلَّمَ مَتَى تَسْتَعْمِلُ قُوَّةَ الْحَقِّ، ومَتَى تَسْتَعْمِلُكَ هِيَ!
وَلا تَخَفْ في اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ.. حَتَّى إذَا دُعِيتَ إلَى مَلَكِ الْمَوْتِ وقَفْتَ مُؤْمِنًا مُحْتَسِبًا هَادِئَ النَّفْسِ لَمْ تَأْكُلِ السُّحْتَ يَوْمًا، ولَمْ تَقَعْ في الشُّبُهَاتِ سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ، ولَمْ تَتْرُكْ مِسْكِينًا إلَّا وأعَنْتَهُ علَى نَوَائِبِ الدَّهْرِ، وإذَا وقَفْتَ أمَامَ رَبِّكَ شَهِدَتْ لَكَ جَوَارِحُكَ، وشَهِدَتْ لَكَ الْأرْضُ بِحَصَاهَا وثَرَاهَا وكُلِّ مَكَانٍ قَدْ عَمَرْتَه فِيهَا.
فَلَا تُشْرِكْ مَعَ اللَّهِ أحَدًا، ولَا تَلْتَفِتْ عَنْهُ لِأحَدٍ فَهُوَ الْمَوْلَى والسَّنَدُ، عَالِيًا علَى الْعُلَى، فَوْقَ الْعُلَى، فَرْدٌ صَمَدٌ، لَيْسَ لَهُ شَرِيكٌ في مُلْكِه، ورِزْقُه مَيَسَّرٌ يَجْرِي علَى طُولِ الْمَدَدِ!
#الإيمان #التوحيد #التقوى #العبادة #التصوير #الأمانة #التوبة #التضحية #الصبر #الجهاد #الاستغفار #الإخلاص #المعركة_الداخلية #العدل #المسؤولية #المحبة_للخير #التصدق #المبادرة_بالخير #العفو #الثقة_بالله #التفاؤل #الرضا #اليقين #التسامح #الصدق في العمل #التفكير في الآخرة #الحمد والشكر#خواطر_السائرين